الطهارة
معنى الطهارة :
الطهارة من المعاني الواضحة ، وهي تخلص الشيء مما هو من غير سنخه الذي يوجب كراهة الشيء واستقذاره ، فيكون على حالته السابقة من وجدان الصفات المرغوبة ذات الفائدة والحسن .
وبحسب طبيعة الإنسان فإن حياته مبنية على التصرف في الماديات والمحسوسات والاستفادة منها والبلوغ إلى مقاصد الحياة ، ولهذا تنبه الإنسان منذ القدم وبدأ بتطبيق معنى الطهارة وما يقابلها من النجاسة والتي فيها معنى الرغبة أو النفرة على المحسوسات والماديات ، وبعد ذلك أخذ في تعميمها وتطبيقها في غير المحسوسات أيضاَ من المعقولات ونحوها بملاحظة أصل معنى الرغبة أو النفرة فيها كالعقائد والأخلاق والأفعال والأحكام والأقوال وغيرها .
والشارع المقدس بحكمته ورحمته ورغبته في تحقيق المجتمع المتكامل الآمن والفرد المتوازن الصالح ، أخذ وأكد على توسيع معنى الطهارة والنجاسة وعممهما للمحسوسات والمعقولات والمعارف والأحكام وغيرها ، حتى استعمل عدداَ من الألفاظ غير الطهارة والنجاسة قريبة من معناهما ، كالنظافة والنزاهة والقدس والسبحان ويقابلها ألفاظ كالقذارة والرجس والرجز ، فمثلاَ في المحسوسات اعتبر العديد من الأشياء نجاسات كالدم والبول والغائط والمني والميتة وال******* والخنزير وغيرها وحكم بوجوب اجتنابها في الأكل والشرب والعبادة كالصلاة ، وفي الجانب العبادي اعتبر الإشراك بالله أي الشرك الجلي من النجاسات بل هو النجاسة الكبرى ، فأمر بالتوحيد وأعطى وأرشد إلى الأدلة والبراهين الوجدانية والعقلية لإثبات التوحيد وأكد على الاستعانة بالله وحده والتوكل عليه والتوجه إليه ، وفي الجانب العبادي لتعميق الغريزة الإيمانية ، اعتبر الشارع المقدس عدم امتثال الأحكام الشرعية أو التهاون في امتثالها من النجاسات ، وكذلك اعتبر ميل النفس إلى التفسيرات المادية لعلل الأحكام من النجاسات ولهذا حثّ الشارع المقدس وأمر بامتثال الأوامر الشرعية وعدم التهاون فيها وحث على المبادرة والإسراع إليها وفي نفس الوقت جعل الغيبية في العديد من العبادات وأجزائها ومنها الطهارة لتعميق الإيمان وترسيخه ، وإضافة لذلك اعتبر الاتصاف بالأخلاق الرذيلة والدنيئة من النجاسات فحث على الابتعاد عن سفاسف الأمور ورذائلها والاتصاف بالأخلاق الفاضلة الحسنة .
لقد علمنا أن الشارع المقدس تصدى لصياغة الأحكام والعبادات في الشريعة بصورة تحقق الأهداف الصحيحة المناسبة ، وبعد هذا المقام سنتحدث إن شاء الله تعالى عن الطهارة بمعناها الأعم وكيفية تصدي المولى للحث والإرشاد على الطهارة المادية والمعنوية كما في تطبيقات الوضوء والغسل وغيرهما من الأفعال وكما في الأذكار والأدعية في عملية التطهير ، إضافة إلى الأوامر والإرشادات المستقلة التي تشير وتحث على الطهارة القلبية والنفسية كما تحث على طهارة الأبدان والأقوال والأفعال .