فور اندلاع اشتباكات ماسبيرو – وربما قبلها – انطلق التليفزيون المصري –
المندفع – للتأكيد على أن الأقباط القادمين بمسيرة من شبرا يحملون أسلحة
نارية وسنج ومطاوي وزجاجات مولوتوف، قبل أن يتهمهم صراحة بقتل بعض جنود
الشرطة العسكرية، وأخذ التلفزيون يعلن بين الحين والآخر عن رقم جديد لشهداء
الجيش، ما عبء الشارع المصري بحالة من الاحتقان وأثار فتنة صريحة، وانقسم
المصريون حول ما يحدث أمام ماسبيرو، أمام التزييف الصريح.
كذلك تحدثت الصحف القومية، عن قتلى من صفوف الشرطة العسكرية، ماتوا ضربا
بالرصاص وطعنا بالسلاح الأبيض واحتراقا في سياراتهم وتفحموا!!
نتيجة هذا التحريض العمدي، سقط من الأقباط أكثر من عشرين قتيل، شيعوا
جميعا أمس، وحملت النعوش على أكتاف المصريين جميعا بمسلميها ومسيحييها –
رغم أنف المجلس العسكري وتابعه هيكل – وسط هتافات الوحدة الوطنية،
والمناداة بسقوط المشير ومجلسه.
المفاجأة، أننا لم نشاهد جثث قتلى الشرطة العسكرية، الذين لم يرهم إلا
مذيعي التلفزيون المصري وصحفيي الصحف القومية، ولم نشاهد جنازة أي منهم،
وانتظرنا أن نرى أي جثة متفحمة أو مطعونة أو حتى ماتت من الخضة، إلا أن ذلك
لم يحدث، وأصاب التلفزيون المصري خرس من نوع غريب، حتى أنهم لم يذكروا هذه
الجنازات بأى شيء، وكأن أحدا لم يقتل من الشرطة العسكرية.
قبل أن يفاجأنا وزير الإعلام –المندفع – أسامه هيكل، بأن الأقباط لم
يكونوا يحملون سلاحاً وإنما هو "اندفاع" من المذيعيين دفعهم للقول -
والادعاء والكذب والتضليل وإحداث فتنة وتحريض المسلمين على المسيحيين – بأن
المتظاهرين الأقباط كانوا يحملون سلاحا أبيضا وزجاجات مولوتوف!
العلاقة الآثمة بين الشرطة العسكرية والإعلام الحكومي، وتحديدا
التلفزيون المصري، قديمة قدم وجود المجلس العسكري في الحكم، فمثلا، في
بدايات الثورة، كنا نشكك في الشرطة العسكرية، لأن موقعة الجمل وقعت في
وجوده وتحت بصره ولم يتحرك لإنقاذ الثوار، والإعلام مشكورا قام بواجبه من
التحريض ضد المتظاهرين، وبعدها أصبحنا نتحدث عن استخدام الشرطة العسكرية
للعنف والقوة ضد المتظاهرين، وقيامه مثلا بفض اعتصام طلاب الإعلام بالقوة
وأكثر من اعتصام بميدان التحرير، والتلفزيون المصري أيضا خلق كل المبررات
التي يمكن أن يتخيلها بشر لتبرير مدى وحشية الطلاب والمعتصمين، ورقة ورهافة
الشرطة العسكرية، ولكن لم يصل بنا خيالنا المريض في أي لحظة، إلى تصور أن
الأمر يمكن أن يتطور للحديث عن قيام الشرطة العسكرية بعمليات قتل متعمد ضد
متظاهرين! والتلفزيون المصري يقوم بتصويرها على أنها اعتداء من قبل
المتظاهرين الأقباط على الشرطة العسكرية، والادعاء بأن أغلب القتلى من بين
صفوفهم!
الآن، على التلفزيون المصري شيئا واحدا لا غير، إما أن يظهر لنا شهداء
الشرطة العسكرية الذي ادعى سقوطهم، وإما أن يتم تحويل المدعو أسامه هيكل
ومذيعي التلفزيون المصري للمحاكمة العسكرية بتهمة التحريض على قتل
المصريين، وإشعال فتنة طائفية بالبلاد.