قبيل هبوط الطائرة في مطار القاهرة الدولي، يخرج دايف هاتفه المحمول من جيبه ويلتقط به صورة الصفحة الأولى لصحيفة أمريكية كبرى تظهر فيها الاضطرابات التي تعم القاهرة، هذه هي الذكريات الأولى لهذا السائح الكندي الذي قصد مصر رغم الظروف التي تمر بها.
وترتسم على وجه دايف ابتسامة تخفي وراءها قلقاً عميقاً، وهو يصر وزوجته على زيارة الأهرامات رغم التظاهرات التي تشهدها البلاد ضد الرئيس حسني مبارك.
يقول دايف: "أتمنى أن يعم الهدوء في الأسبوع الذي سنمضيه هنا، لقد خططنا لهذه الرحلة منذ زمن بعيد، ولم نشأ أن نلغيها في اللحظة الأخيرة".
ويتضمن البرنامج السياحي لهذين الزوجين إمضاء ليلة في القاهرة وزيارة الأهرامات والانتقال على متن عبارة في نهر النيل إلى مدينة الأقصر، ومن ثم ختم الرحلة في شرم الشيخ على البحر الأحمر.
لكن هذا البرنامج قد لا يبدو سهل التحقيق نظرا لما تشهده مصر منذ الثلاثاء من تظاهرات واحتجاجات تعد الأقوى منذ تولي مبارك سدة الرئاسة قبل أكثر من ثلاثين عاما.
رحلة أحلام
ورغم هذا الواقع، تبدي السائحة الأسترالية أندريا إصرارا هي الأخرى على زيارة مصر، وفيما تقف في الصف للوصول إلى موظف مراقبة الجوازات، تقول: "لقد أهديت نفسي هذه الرحلة لبلوغي سن الثلاثين، وأنا أحلم بها منذ الصغر".
تقطع حديثها شابة مصرية منقبة تدعى سارة، فتزرع الشك في نفس أندريا قائلة: "نحن نجتاز وقتا عصيبا جدا في مصر الآن، أنصحك بالعودة لأن الوضع قد ينهار" موضحة لها أنها عادت للتو من لندن على جناح السرعة لملاقاة عائلتها بعدما شاهدت صور الاضطرابات على التلفزيون.
وتضيف سارة ناصحة السائحة الأسترالية "هنا الفوضى بكل صراحة، مصر بلدنا وعلينا أن نتعايش مع ما يحصل فيها، لكن أنت لست مضطرة إلى ذلك".
بعد هذا الحوار، بدت على أندريا ملامح الخوف والتزمت الصمت، وربما تراءى لها أن حلم الطفولة قد يتحول إلى كابوس. لكنها رغم ذلك، تقدمت إلى موظف الجمارك حين أشار لها وقدمت جوازها.
إلا أن الكثير من السياح لم يحذوا حذو الزوجين الكنديين والشابة الأسترالية، فالطائرة التي حملت دايف وزوجته من زوريخ إلى القاهرة كان نصفها خاليا من الركاب. مع أن كل مقاعدها البالغ عددها 228 كانت محجوزة، وألغي قسم كبير من هذه الحجوزات في اللحظة الأخيرة، كما تشرح إحدى المضيفات، حيث معظم الدول الغربية طلبت من رعاياها عدم السفر إلى مصر بسبب التظاهرات المناهضة للحكومة.
وعندما لاقى دايف وزوجته ممثل وكالة السفر، علما أنهما الوحيدان اللذان أصرا على عدم قطع هذه الإجازة، وكانت في انتظارهما مفاجأة غير سارة، وهي الأعداد الكبرى من السياح الذين تكتظ بهم قاعات المطار، انتظارا لأول رحلة تخرجهم من مصر.
وفي العام 2010، وصل عدد السياح في مصر إلى رقم قياسي بلغ 14,7 مليون شخص، وأنفقوا في البلاد ما يقدر بين 12,6 و 13 مليار دولار.