تُطرح العديد من التساؤلات في الشارع المصري حول السبب
في تباطؤ المجلس العسكري في مصر برئاسة المشير محمد حسين طنطاوي السلطة
إلى المدنيين، خاصة أن طنطاوي تعهد سابقا بعدم البقاء في السلطة، وأنه
يعتزم تسليمها إلى رئيس وبرلمان منتخبين.عندما نزلت قوات الجيش المصري إلى الشوارع في جمعة الغضب 28 يناير
الماضي، وقرّر قادة القوات المسلحة أنّها لن تطلق رصاصة واحدة على
المتظاهرين الذين كانوا يحتشدون بالملايين، مطالبين برحيل الرئيس السابق
حسني مبارك، هتفت هذه الملايين "الجيش والشعب.. إيد واحدة"، وظلّ هذا
الهتاف هادراً، حتى سقوط نظام الحكم في 11 فبراير الماضي، ولعدة أشهر
تالية، لاسيما بعد إعلان المجلس العسكري أنه غير طامح أو باق في السلطة،
وأنه يعتزم تسليمها إلى رئيس وبرلمان منتخبين.
لكنّ ذلك الهتاف الشهير غاب عن المشهد السياسي والتظاهرات في مصر مع
نهاية شهر مايو الماضي، وحلّت مكانه هتافات أخرى تطالب بإسقاط المشير، رفعت
للمرة الأولى في ما سمي ب"جمعة الغضب الثانية" بتاريخ 27 أيّار (مايو)
الماضي، ومن تلك الهتافات ب"الشعب يريد إسقاط المشير". وتطوّرت في الجمعة
الأخيرة التي عرفت باسم "جمعة إسترداد الثورة" إلى "إرحل"، ليعود هذا
الهتاف إلى تظاهرات ميدان التحرير للمرة الأولى منذ الإطاحة بمبارك قبل
ثمانية أشهر. فهل يهتف المصريون بعد ذلك "الشعب يريد محاكمة المشير؟، وهل
يخشى المشير مصير الرئيس السابق حسني مبارك؟ هل يخشى المشير حسين طنطاوي من
انقلاب الثوار عليه ونكران دوره في الثورة، هل يخشى يوم الحساب في حالة
تسليم السلطة للمدنيين كما وعد قبل ثمانية أشهر؟ كل هذه التساؤلات باتت
تتردد في الشارع المصري، وعلى ألسنة النشطاء، الذين يتهمون المجلس العسكري
بمحاولة الإستيلاء على السلطة.
معتقدات المجلس العسكري
ووفقاً للدكتور عمار علي حسن رئيس مركز الشرق الأوسط للدراسات السياسية
والإستراتيجية، فإن المجلس العسكري يتصرّف في اتجاهين أو حسب ثلاثة معتقدات
راسخة في ذهن قيادته، وأوضح حسن ل"إيلاف" أن الإعتقاد الأول يتمثل في أنه
صاحب السلطة الأولى والأخيرة في البلاد منذ قيام ثورة 1952، ولديه مكاسب
ومغانم لا يمكنه التفريط بها بسهولة، ومن الصعب التخلي عن مكانته في السلطة
في مصر باعتباره حامي البلاد والشرعية. وأضاف حسن أن الإعتقاد الثاني
يتمثل في أن الجيش المصري ينظر إلى نفسه على اعتبار أنه شريك في الثورة،
وأنه الوحيد القادر على إدارة البلاد في تلك المرحلة الضبابية، لاسيما في
ظل عدم وجود قيادة واضحة للثورة، وانقسام القوى السياسية على نفسها. مشيراً
إلى أن المجلس العسكري لديه اعتقاد ثالث يتصرف بمقتضاه في إدارة الأمور في
البلاد، ألا وهو أن الأغلبية من الشعب المصري معه قلباً وقالباً، تؤيد
موافقه، وتدعمه، وأن النشطاء الثوريين والحزبيين لا يزيد عددهم في أفضل
الأحوال عن أربعة ملايين شخص، في مقابل 80 مليون آخرين يؤيدونه.
ينظر تحت قدميه
وحسب وجهة نظر حسن، فإن المجلس العسكري واهم وينظر تحت قدميه، موضحاً أن
الأغلبية من المصريين تؤيده في إدارة المرحلة الإنتقالية، لكنّ هذا
التأييد لن يستمر للنهاية، سوف تنقلب عليه، في حالة إذا استشعرت أنه يخطط
للإستمرار والإستئثار بالسلطة، سوف يفقد ثقة الجماهير، سوف تندلع ضد ثورة
جديدة.
وحول خشية المشير طنطاوي وأعضاء المجلس العسكري من يوم الحساب ومصير
الرئيس السابق حسني مبارك، قال حسن إن المصريين بمن فيهم النشطاء الثوريون
والسياسيون كانوا مستعدين لغفران أية تجاوزات ارتبكها المشير وقيادات
المجلس، وإغلاق كافة الملفات في حالة الوفاء بوعده في تسليم السلطة
للمدنيين إجلالاً للدور الذي قام به مقارنة بدور الجيوش في سوريا واليمن
وليبيا، منوهاً بأن تباطؤ المجلس في خطوات تسليم السلطة، يزيد من الفجوة
بينه وبين النشطاء والغالبية من المصريين، وسيكون ذلك سبباً في فتح جميع
الملفات ومحاسبة الجميع بمن فيهم المشير.
حصانة ضد المحاسبة
التشكك في أن لدى المجلس العسكري شعورا بالخوف من ملاقاة مصير مبارك
وحاشيته، وصل إلى النشطاء السياسيين، وهذا ما دعا المرشح المحتمل إلى رئاسة
الجمهورية حازم أبو إسماعيل إلى مطالبة المجلس العسكري بالتخلي عن السلطة
للمدنيين، مع التعهد بمنح أعضائه الحصانة من المساءلة القانونية، وقال خلال
مشاركته في تظاهرات "جمعة استعادة الثورة" الماضية موجهاً حديثه إلى
قيادات المجلس العسكري "اتركوا الناس يديرون أمرهم وارحلوا، ولكم عندنا
الحصانة كما تريدون".
قانون الغدر
جاء رفض المجلس العسكري إصدار قانون الغدر بحق أعضاء الحزب الوطني
المنحل ورموز النظام السابق لحرمانهم من العمل السياسي لمدة خمسة أعوام على
الأقل، والتسويف في ذلك الأمر عندما طالبت الأحزاب بضرورة إصدار القانون
خلال اجتماعها مع الفريق سامي عنان رئيس الأركان، كل هذا أدّى إلى ارتفاع
المؤشر على خشية قادة المرحلة الإنتقالية من مصير رموز نظام الحكم السابق،
وقالت مصادر في حكومة الدكتور عصام شرف ل"إيلاف" في تصريحات سابقة، إن بعض
المستشارين للمجلس العسكري أشاروا عليه بعدم إصدار القانون حتى لا يتم
توجيهه إلى صدور بعض شباب الثورة أو المدافعين عنها ممن كانوا ينتمون إلى
النظام السابق. وذهبت المصادر إلى أبعد من ذلك بالقول إن أعضاء المجلس
العسكري يخشون تطبيق القانون عليهم أنفسهم بعد تسليم السلطة للمدنيين.
وأوضحت المصادر أن أعضاء المجلس العسكري يخشون تكرار ما حدث في عهد
الرئيس الراحل جمال عبد الناصر، حيث إن القانون صدر في العام 1952 ضد من
وصفوا وقتها "بأنصار العهد البائد"، لكن أجريت تعديلات عليه في 1953 ليشمل
من وصفوهم ب"أعداء الثورة"، وطال وقتها رموزا كانت من أنصار ثورة 23 يوليو
1952، وتم التحقيق مع الرئيس الراحل أنور السادات بموجبه، وكاد يكون إحدى
ضحاياه.
الشرعية من الشارعوتذهب أنجي حمدي
عضو المكتب السياسي لحركة 6 أبريل إلى القول إن المشير حسين طنطاوي وأعضاء
المجلس العسكري كانوا جزءًا من النظام السابق، وقالت ل"إيلاف" إنهم بالطبع
لا ينفصلون عن هذا النظام، لكنّ الشعب المصري غفر لهم كل السابق على
الثورة، لأنهم انضموا إليها وحقنوا دماء أبنائه، مشيرة إلى أن أحدًا لا
يضمن أن يظل الشعب سخياً من المجلس العسكري في حالة الإصرار على التمسك
بالسلطة، ولفتت إلى أنه حصل على السلطة بموجب الثورة، إنها شرعية من
الشارع، ومن منحها قادر على سحبها، ومحاسبة من حاول الإستئثار بها لنفسه.
أوهام
لكنّ مصدرا عسكريًا قال ل"إيلاف" إن الحديث عن خشية المجلس العسكري من
المحاسبة من قبيل الأوهام، مشيراً إلى أن المشير طنطاوي أو أيًا من أعضاء
المجلس لا يرغب في السلطة، وسوف يسلمها إلى رئيس وبرلمان منتخبين.
الأسئلة قائمةعلى أية حال، تظل الأسئلة قائمة: هل يخشى المجلس العسكري مصير مبارك
وأركان نظام حكمه؟ بل هل يلقى المصير نفسه، لاسيما بعد أن عاد هتاف "إرحل"
إلى ميدان التحرير مرة أخرى؟ فهل يهتف المصريون "الشعب يريد محاكمة
المشير"، بديلاً من هتافهم الشهير بعد رحيل مبارك "الشعب يريد محاكمة
الرئيس".
ووحدها الأيام وربما الأشهر القليلة المقبلة كفيلة بالإجابة عن تلك الأسئلة.