إبراهيم الرفاعي بطل أكتوبر الذي كان يتقد ناراً وجمراً على
القادة الإسرائيليين وجنودهم، وفي نفس الوقت، كان الملاذ الآمن والحل
الأمثل والأسرع والأصوب تجاه المشكلات التى كان يسببها العدو الإسرائيلي
للمصريين، فكما جاء فى إحدى التقارير عنه إنه ضابط مقاتل من الطراز الأول،
جرئ وشجاع، محارب وبسالته منقطعة النظير!
الرفاعي اسم لا يعرفه الكثيرون، سيرته مجهولة لدى الغالبية
العظمى من الشباب، وهو لمن لا يعرفه، بطل من أبطال أكتوبر ومن شهدائها
وكانت له بطولات عظيمة حتى لقب بـ"أمير الشهداء"، يبنما لازال عدونا الأول
يتدارس سيرته وشجاعته، فهو من أذاق الإسرائيليين أثناء حرب أكتوبر شر
الهزائم، حيث كانت تتناقل أخباره ومجموعته الرهيبة وحدات القوات المسلحة،
فلم يكن عبوره هو الخبر إنما عودته دائما كانت المفاجأة، فبعد كل غارة
ناجحة لمجموعته تلتقط أجهزة التصنت المصرية صرخات العدو واستغاثات جنوده،
وفي إحدى المرات أثناء عودته من غارة جديدة قدم له ضابط مخابرات هدية عبارة
عن شريط تسجيل ممتلىء باستغاثات العدو وصرخات الجنود.
هو الشهيد عميد أركان حرب "إبراهيم الرفاعي السيد
الرفاعي"،(1931 - 1973)، أمير شهداء حرب أكتوبر، شارك في بناء أول قوة
الصاعقة المصرية، وعندما وقع العدوان الثلاثي على مصر 1956 شارك في الدفاع
عن مدينة بورسعيد ثم انتقل لقيادة وحدات الصاعقة للعمل كرئيس عمليات.
أتت حرب اليمن لتزيد خبراته، ويتولى خلالها منصب قائد كتيبة صاعقة بفضل مجهوده والدور الكبير الذي قام به خلال المعارك.
خلال عام 1965 صدر قرار بترقيته ترقية استثنائية تقديرًا للأعمال البطولية التي قام بها في الميدان اليمني.
بعد معارك 1967 وفي يوم 5 أغسطس 1968، بدأت قيادة القوات
المسلحة في تشكيل مجموعة صغيرة من الفدائيين للقيام ببعض العمليات الخاصة
في سيناء، كمحاولة من القيادة لاستعادة القوات المسلحة ثقتها بنفسها
والقضاء على إحساس العدو الإسرائيلي بالإمن، وبأمر من مدير إدارة امخابرات
الحربية اللواء "محمد أحمد صادق" وقع الاختيار على البطل "إبراهيم الرفاعي"
لقيادة هذه المجموعة، فبدأ على الفور في اختيار العناصر الصالحة.
قام قائد المجموعة 39 بأداء العمليات الانتحارية، بتنفيذ 72
عملية انتحارية خلف خطوط العدو من بين 67 - 1973، بتدمير معبر الجيش
الإسرائيلي.
وكان لهذه المجموعة الشرف كأول مجموعة تمكنت من رفع العلم
المصري وذلك في حرب الاستنزاف على القطاع المحتل، حيث بقى العلم المصري
مرفرفا 3 أشهر.
ظلت هذه المجموعة تقاتل على أرض سيناء منذ لحظة اندلاع
العمليات في السادس من أكتوبر، وحتى نوفمبر، ضاربين في كل اتجاه وظاهرين في
كل مكان، بإيقاع أذهل مراقبي الاستخبارات الإسرائيلية لسرعته وعدم
افتقادهم للقوة أو العزيمة رغم ضغوط العمليات.
هاجموا محطة بترول بلاعيم، صباح السادس من أكتوبر، لتكون أول
طلقة مصرية في عمق إسرائيل تنطلق من مدافعهم، تلتها مطار شرم الشيخ، ثم شرم
الشيخ نفسها، ثم مطار الطور الإسرائيلي، في العاشر من أكتوبر، الذي أدى
إلى قتل كل الطيارين الإسرائيلي في المطار.
فى عام 1968 يعود الرفاعى من إحدى العمليات ومعه أول أسير
اسرائيلى ويكون هو الملازم دان شمعون بطل القيادة الإسرائيلية فى المصارعة
والذى خطفه الرفاعى وعاد به ليظهر فى تليفزيون القاهرة فى نفس اليوم أسيرا
ذليلا.
وبعد استشهاد الفريق عبد المنعم رياض فى 9/3/1969 أثناء تفقده
لجبهة القتال يطلب الرفاعى الإذن بمهاجمة الموقع الاسرائيلى الذى خرجت منه
الطلقة ويعبر هو والرجال ويقتل كل من فى الموقع ويقوم بنسفه ويعود بالعلم
الاسرائيلى وتتقدم إسرائيل بشكوى أن قتلاها قتلوا بشراسة.
في يوم 17 أكتوبر تم تكليف مجموعة البطل بمهمة اختراق مواقع
العدو غرب القناة والوصول إلى منطقة ( الدفرسوار ) لتدمير المعبر الذى
أقامه العدو لعبور قواته، وبالفعل تصل في نفس الوقت الذى تتغير فيه
التعليمات إلى تدمير قوات العدو، فقد تقدم شارون ومعه 200 دبابة من أحدث
الدبابات الأمريكية للاستيلاء على مدينة الإسماعيلية ، ويتقدم اللواء 23
مدرع المصري ليواجه القوات الإسرائيلية التي تكبد خسائر كبيرة تجبر القيادة
المصرية على سحبه بعيدا، ويستمر تقدم شارون.
وما وصلت مدرعات العدو حتى أنهالت عليها القذائف لتثنيه عن
التقدم ، ويرفض الرفاعي هذا النصر السريع ويأمر رجاله بمطاردة مدرعات
العدو لتكبيده أكبر الخسائر في الأرواح والمعدات.
ويصل الرفاعي بسرعة البرق ومعه رجاله وليس بحوزتهم سوى
القنابل اليدوية المضادة للدبابات وبنادقهم الخفيفة، يخاطب أبناءه بكل
هدوءه المعروف عنه وابتسامته الصارمة تعلو وجهه "الراجل بدبابة يا ولاد"
كما كان يحلو له دائما أن يخاطب رجاله وكما كان الرجال يحبون أن يناديهم،
وتشتعل الأرض وتنفجر دبابات العدو ويتوالى صعود الشهداء إلى السماء.
ويدرك شارون أن أحلامه تبخرت وأنه فشل فى أداء، ويدعى الإصابة
ويربط رأسه ويطلب طائرة هليكوبتر تنتشله من الجحيم الذى اشتعل حوله ويترك
جنوده وحدهم يواجهون الموت وشراسة أبناء الرفاعى ويفر الجنود اليهود
مذعورين بعد معرفتهم بفرار قائدهم مما دفع بعض القادة اليهود للمطالبة
بمحاكمة شارون لفراره من ارض المعركة (طالب الجنرال جونين قائد الجبة
المصرية أثناء حرب أكتوبر بمحاكمة شارون بتهمة الفرار من ارض المعركة) بعد
انكشاف كذبة إصابته ولفشله فى تحقيق مهمته رغم كل القوة الرهيبة التى
وفرتها له القيادة الإسرائيلية.
وبينما يخوض رجال المجموعة قتالاً ضاريا مع مدرعات العدو ،
وبينما يتعالى صوت الآذان من مسجد قرية القريب ، تسقط إحدى دانات مدفعية
العدو بالقرب من موقع البطل ، لتصيبه إحدى شظاياها المتناثرة ، ويسقط الرجل
الأسطورى جريحًا ، فيسرع إليه رجاله في محاولة لإنقاذه ، ولكنه يطلب منهم
الإستمرار في معركتهم ومعركة الوطن ،ويلفظ البطل أنفاسه وينضم إلى طابور
الشهداء، ويتفقد الرجال أباهم وقائدهم ليجدوا ابتسامة مرسومة على وجهه
بعد أن استردت السماء وديعتها بعد إصابة الجسد بطلقة دبابة إسرائيلية، لقد
أنقذ الإسماعيلية والحرب كلها.