*
****************************
*******************
اكمل لنهاية هل يجوز لنا الاجتماع ليلة رأس السنة للذِّكر والدعاء وقراءة القرآن؟
سؤال: هذه الرسالةرأيتها كثيراً على الإنترنت، ولكن في الحقيقة لم أرسلها لشكِّي في كونهامن البدعة، فهل يجوز نشرها ونثاب عليها، أم إنه لا يجوز هذا لأنه بدعة؟"إن شاء الله كلنا سنقوم الساعة 12 ليلة رأس السنة ونصلي ركعتين، أو نقرأقرآناً، أو نذكر ربنا، أو ندعو، لأنه لو نظر ربنا للأرض في الوقت الذيمعظم العالم يعصيه: يجد المسلمين لا زالوا على طاعتهم، بالله عليك ابعثالرسالة هذه لكل الذين عندك، لأنه كلما كثر عددنا: كلما ربنا سيرضى أكثر"،أفيدوني، أفادكم الله.
الجواب:الحمد لله، قد أحسنتِ غاية الإحسان في عدم نشر تلك الرسالة والتي انتشرتفي كثير من المواقع الإلكترونية التي يغلب عليها طابع العامية والجهل.
والذيننشروا تلك الرسالة وأرادوا من المسلمين القيام بالصلاة والذِّكر لا نشك أننياتهم طيبة وعظيمة، وخاصة أنهم أرادوا أن تقوم طاعات وقت قيام المعاصي،لكن هذه النية الطيبة الصالحة لا تجعل العمل شرعيّاً صحيحاً مقبولاً، بللا بدَّ من كون العمل موافقاً للشرع في سببه، وجنسه، وكمِّه، وكيفه،وزمانه ، ومكانه، - وانظر تفصيلاً لهذه الأصناف الستة في جواب السؤال رقم:(21519) - وبمثل هذا يميِّز المسلم العمل الشرعي من البدعي.
ويمكن حصر أسباب المنع من نشر تلك الرسالة بنقاط، منها:
1.أنه وُجدت مناسبات جاهلية، ومناسبات لأهل الكفر والضلال، منذ عهد النبيصلى الله عليه وسلم إلى زماننا هذا، ولم نر نصّاً نبويّاً يحثنا على إنشاءطاعة وقت فعل غيرنا لمعصية، ولا بعمل مشروع وقت فعل عمل بدعي، كما لميُنقل قول لأحدٍ من الأئمة المشهورين باستحباب فعل هذا.
وهذامن علاج المعصية ببدعة، كما حصل من علاج بدعة الحزن واللطم في "عاشوراء"من الرافضة ببدعة التوسع في النفقة وإظهار الفرح والسرور.
قال شيخ الإسلام ابن تيمية -رحمه الله-:
"وأمااتخاذ أمثال أيام المصائب مأتماً: فليس هذا من دين المسلمين بل هو إلى دينالجاهلية أقرب، ثم هم قد فوتوا بذلك ما في صوم هذا اليوم من الفضل، وأحدثبعض الناس فيه أشياء مستندة إلى أحاديث موضوعة لا أصل لها، مثل فضلالاغتسال فيه، أو التكحل أو المصافحة وهذه الأشياء ونحوها من الأمورالمبتدعة كلها مكروهة وإنما المستحب صومه، وقد روي في التوسع فيه علىالعيال آثار معروفة أعلى ما فيها حديث إبراهيم بن محمد بن المنتشر عنأبيه، قال: بلغنا أنه من وسع على أهله يوم عاشوراء وسع الله عليه سائرسنته رواه ابن عيينة وهذا بلاغ منقطع لا يعرف قائله، والأشبه أن هذا وضعلما ظهرت للعصبية بين الناصبة والرافضة؛ فإن هؤلاء أعدوا يوم عاشوراءمأتماً: فوضع أولئك فيه آثاراً تقتضي التوسع فيه، واتخاذه عيداً، وكلاهماباطل...
لكنلا يجوز لأحد أن يغيِّر شيئا من الشريعة لأجل أحد، وإظهار الفرح والسروريوم عاشوراء، وتوسيع النفقات فيه هو من البدع المحدثة، المقابلة للرافضة (اقتضاء الصراط المستقيم، ص 300، 301).
وقد نقلنا كلاماً نفيساً آخر لشيخ الإسلام ابن تيمية، فانظره في جواب السؤال رقم: (4033).
2.الدعاء والصلاة لها أوقات في الشرع فاضلة، قد رغبنا النبي صلى الله عليهوسلم بفعلها فيه، كالثلث الأخير من الليل، وهو وقت نزول الرب سبحانهوتعالى للسماء الدنيا، والحث على فعل ذلك في وقت لم يرد فيه النص الصحيحإنما هو تشريع في "السبب" و "الزمن" والمخالفة في أحدهما كافية للحكم علىالفعل بأنه بدعة منكرة، فكيف بأمرين اثنين؟!
وفي جواب السؤال رقم: (8375) سئلنا عن التصدق على العائلات الفقيرة في رأس السنة الميلادية، فأجبنا عنه بالمنع، وكان مما قلناه هناك:
ونحنالمسلمين إذا أردنا الصّدقة: فإننا نبذلها للمستحقّين الحقيقيين، ولانتعمد جعْل ذلك في أيام أعياد الكفار، بل نقوم به كلما دعت الحاجة، وننتهزمواسم الخير العظيمة كرمضان، والعشر الأوائل من ذي الحجّة، وغيرها منالمواسم. انتهى
والأصل في المسلم الاتباع لا الابتداع، قال الله تعالى: {قُلْإِن كُنتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللَّهُوَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ ۗ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَّحِيمٌ ﴿٣١﴾ قُلْأَطِيعُوا اللَّهَ وَالرَّسُولَ ۖ فَإِن تَوَلَّوْا فَإِنَّ اللَّهَ لَايُحِبُّ الْكَافِرِينَ} [سورة آل عمران: 31-32].
قال ابن كثير -رحمه الله-:
"هذه الآية الكريمة حاكمة على كل مَن ادعى محبة الله،وليس هو على الطريقة المحمدية: فإنه كاذب في دعواه في نفس الأمر حتى يتبعالشرع المحمدي، والدين النبوي، في جميع أقواله وأحواله، كما ثبت في الصحيحعن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال: «مَنْ عَمِلَ عَمَلا لَيْسَ عليه أمْرُنَا فَهُوَ رَدٌّ» (تفسير ابن كثير، 2/ 32).
قال الشيخ محمد بن صالح العثيمين -رحمه الله-:
"أحبوا الرسول أكثر مما تحبون أنفسكم، ولا يكملإيمانكم إلا بذلك، ولكن لا تُحدِثوا في دينه ما ليس منه، فالواجب على طلبةالعلم أن يبينوا للناس، وأن يقولوا لهم: اشتغلوا بالعبادات الشرعيةالصحيحة، واذكروا الله، وصلوا على النبي صلى الله عليه وسلم في كل وقت،وأقيموا الصلاة، وآتوا الزكاة، وأحسنوا إلى المسلمين في كل وقت" (لقاءات الباب المفتوح، 35/ 5).
3.أنكم تتركون ما هو واجب عليكم تجاه تلك المعاصي والمنكرات، وهو الأمربالمعروف، والنهي عن المنكر، والنصح للمخالفين، وانشغالكم بعبادات فرديةمع وجود معاصي ومنكرات جماعية لا يحسُن بكم فعله.
فالذينراه هو تحريم نشر مثل تلك النشرات، وبدعية الالتزام بتلك الطاعات لمثلتلك المناسبات، ويكفيكم التحذير من الاحتفالات المحرمة في المناسباتالشركية أو المبتدعة، وأنتم بذلك مأجورون، وتقومون بواجبكم تجاه فعل تلكالمعاصي.
وينظرجواب السؤال رقم: (60219) للوقوف على فوائد مهمة في النية الصالحة وأنهالا تشفع لصاحبها لجعل عمله المبتدع عملاً مأجوراً عليه، وفيه تفصيل مهم.
والله أعلم